إعلان

Collapse
No announcement yet.

محاسبة النفس

Collapse
X
Collapse
  •  

  • محاسبة النفس

    كل أمر من أمور الإسلام هو قيمة عظيمة وعالية وتأخذ بالناس إلى الأفضل والأخيَر دائما .
    ولا أظن عاقلا درس أمور الإسلام ووعيها حق الوعي يعارض هذا القول أو يشكك به ، ولو تعمقنا في مطالب الإسلام لرأينا فيها الحكمة والخير والحياة السعيدة الطيبة التي يبغي الإسلام بنائها ومنه إنصاف المظلومين وإعطاء المحرومين .
    وقيم الإسلام كثيرة فبعد نعمة الإيمان كانت مطالب الإسلام كلها قيما عظيمة ، وهي قيم على مستوى نشر الخير والعقلانية والحياة السليمة الكريمة التي لا تخرمها العلل والسقم أو الآفات الاجتماعية أو أي آفة ، وتحمي من التظالم والشقاء .
    واليوم نتحدث عن قيمة من قيم الإسلام ، وهي قيمة عظيمة جليلة حقا وأساس المجتمع الصالح ونقائه وديمومته وبقائه ، والقيمة المقصودة هي مراقبة النفس ومحاسبتها والله تعالى يقول " لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة " فهنا من عظم محاسبة النفس ولومها قرنها الله تعالى مع يوم القيامة ومع ما يكون معه من أحداث عظام جليلة .
    ولننظر أولا إلى مراقبة النفس ونرى ما معناها وما مقصدها . فمراقبة النفس هي النظر والتدبر ومراجعة النفس قبل الإقدام على فعل أو أي أمر من أمور الحياة , أو حتى خلال أداء أي عمل أو قول , وأسأل نفسي هل هذا العمل الذي أريد أن أقوم به أو أقوم به حاليا يوافق الشرع وما أمر به الله ورسوله , أو هل هذا الأمر ربما قد يخالف الشرع أو روح ما جاء به الشرع ؟
    وهل أنا على استعداد للتنازل عن هذا الأمر إن لم يلبي المطلبين الأولين الآنفي الذكر , أو هل أنا على استعداد لتعديل ما سأقوم به إن كان طرفا منه يخالف أمرا شرعيا ، وقد يكون الأمر أدق من هذا وهو : هل إذا كان ما أريد أن أقوم به وهو أصلا لا يخالف شرعا وقد يتوافق مع مطلب ديني ، فهل مقصدي من وراء هذا العمل ونيتي أن يكون في سبيل مرضاة الله وإشاعة الخير وعدم الظلم ، وهل يكون مقصدي خالصا لوجه الله لا يشوبه رغبة نيل أي عرض من أعراض الدنيا صغر أو كبر قد يخالف نص الشرع ومطالبه ويكبر الهوة التي تُبعد عن الدين .
    والحقيقة أن مراقبة النفس هي جزء من التقوى وتصحيح مسار الحياة إلى الأسلم والأنفع ، وهي أمانة كي لا نهضم حقوق الناس .
    وليكون الأمر قريبا إلى الأذهان نضرب مثلين من الحياة ، فلنقل أني بصدد سفر إلى مكان ما ، فقبل أن أقدم على السفر أسأل نفسي هل سفري هذا في مرضاة الله ولجني منفعة دينية أو دنيوية لا تخالف نص الشرع ، فربما كان السفر لمنفعة قد يظن أنها دينية كمن يلجأ إلى عرافٍ أو مشعوذ وهي من الأمور المنهي عنها لأن من أراد حاجة لجأ إلى الله مباشرة دون وسيط .
    أو من أراد زيارة الأماكن المقدسة كالحرمين مثلا هل هي رحلة للتسوق والنزهة ليس إلاّ ، أم سفرة يراد بها التقرب إلى الله وحب الله رسوله وأهل الإسلام ودياره والتخلق بأخلاق الإسلام بهذا السفر ، فهل يعقل أن أسافر لمرضاة الله وأن تكون جل تصرفاتي تخالف نصوص الشرع وروحه وآدابه .
    وإذا كان سفري لأمر دنيوي للتجارة مثلا أو لللإستجمام مثلا ، فإن كان من أجل التجارة فهل تجارتي ليس بما يغضب الله ورسوله أو يأتي بالضرر على المسلمين ، فمثلا من يتاجر بثياب لا تناسب متطلبات الشرع أو ربما تجارة تجلب الضرر على المسلمين من حيث صحتهم أو سلامتهم .
    أو إذا كان سفري من أجل الاستجمام مثلا فهل أو ربما يكون جزأ من سفري أو سفري كله لا يرضي الله ورسوله أو يسيء إلى الدين فهل أنا مستعد للتنازل عن هذا الجزء أو عن السفر كله .
    فدور مراقبة النفس ومساءلتها والأخذ بها إلى جانب الفلاح والتقى والابتعاد بها عن السيئ والقبيح هو أمر ضروري وحيوي , وقد أفلح من راقب نفسه وصححها .

    فمراقبة النفس هي كمثل سبيل يسوق الأمة والأفراد إلى الاستقرار والعدل والنأي عن الضار والمفسد .
    وقبل أن نتوسع في هذا الأمر نعود إلى محاسبة النفس وما معناها والقصد منها ، فمحاسبة النفس قد يأتي بعد مراقبة النفس فإذا خالفت النفس ما طلب منها حاسب المسلم نفسه ونهاها وأعادها إلى هدف الخير ، وقد يأتي مع مراقبة النفس حيث ربما يأخذ الهوى بالإنسان إلى غير الحق فيحاسب المسلم نفسه ويردها إلى الصواب ، ومحاسبة النفس قد تقود إلى مراقبة النفس أكثر فأكثر ، فمن وقع في خطأ يجره حساب النفس والندم على السوء والمخالف للدين , يقوده لمراقبة النفس والنأي بها عن السيئ .
    فمحاسبة النفس معناها أنه من قد اقترف خطأ ما حاسب نفسه ولامها وندم فعلا على ما بدر منها ، والقصد من المحاسبة ألا يعود إلى الخطأ مرة أخرى وأن يصحح مساره وإن كان متضررون وجب تعويضهم أو إن كان مظلومين رفع الظلم عنهم .
    والحقيقة أن الشريعة الإسلامية كان من أسمى مطالبها ومن أساسيات حكمها على الناس وصدق أيمانهم وسداد أعمالهم كانا هذان المطلبين . فكلما كان المسلم مراقبا لنفسه أكثر ويحسب تصرفاته وأعماله ويقيس عمله ونيته وفقا لما طلب الشرع الحنيف ويقومها كلما زلت , كلما كان عمله اقرب إلى الصالح والخير والمجتمع السليم . " أن أكرمكم عند الله أتقاكم "(13الحجرات)
    والنية هي أم العمل والنية هي من مراقبة النفس وتحديد الهدف الصالح , والرسول (ص) يقول " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل أمرىء ما نوى "(متفق عليه) .
    والآية الكريمة تقول " إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون "(201الأعراف) فمن راقب نفسه علم متى مسه طائف من الشيطان فتذكر الخير والصالح وأبصره فقوم نفسه ونأى عن الشر والسيء .
    فأمة بها أناس يراقبوا أنفسهم وأعمالهم وعلموا أن الله مطلع عليهم ، كان مسارهم أقوم ونفعهم أعظم وابتعادهم عن الفاسد أضمن ، فإذا استلم المسلم مصلحة من مصالح المسلمين استلمها بالأمانة والنصح للمسلمين وصالحهم ، وتجنب الناس النكد وضياع الحقوق أو نقصانها .
    فواجب مراقبة النفس وخشية الله هي واجب على كل فرد وفرد من المسلمين وفهم أمور الدين , وواجب عدم التلاعب بمصالح الناس وعدم الركض حول المنفعة الشخصية ليس إلا ولا حسبان لمصالح الناس ، فتطبيق هذا الواجب الحميد يصوغ المجتمع الناجح الذي تدوم سعادته ويهنأ أفراده وتقل مظالمه ويبارك الله عيشه .
    فالعبرة ليس بالإدعاء أنك مسلما ولكن العبرة في أنك حقا مسلما تراقب نفسك وتقومها وتسيرها على ما أراد الله ورسوله دون حساب للهوى ونزعات النفس أو المنفعة الضيقة أو أن يغلب عليك حب ذاتك ومصلحتك أو أن سعادتك فوق الجميع .
      Posting comments is disabled.

    Categories

    Collapse

    Latest Articles

    Collapse

    Working...
    X