الحرب الفكرية هي حرب خطيرة ، وهي مثلت خطرا منذ خلقت البشرية ، فإبليس علم هذا واستعمله مع آدم وحواء عليهما السلام ، فهو قد وسوس لهما وزين لهم فكرة مخالفة أمر الله تعالى ، وهو لم يستعمل سلطانا آخر ، ونجحت خطته وحربه الفكرية في نطاقها المحدود ، وأخرج آدم وحواء من الجنة .
ثم الله تعالى حذر آدم وذريته من إبليس وإغوائه وأنه سيستغل شهوات الانسان كي يضله ويبعده عن طريق الحق .
ثم الله تعالى قد ذكر لنا أن هناك شياطين جن وإنس يوحون لبعضهم زخرف القول غرورا ، وكثيرا ما كان مترفي الناس وفسقتهم هم مدرسة الضلال وهم الحَرْبة التي تعادي دعوة الحق وتدعو الناس إلى الضلال .
بل الله تعالى يذكر المجرمين وما يقومون به من دور إفسادي وضلالي كي يبعدوا الناس عن الحق وكي يعادوا مصلحتهم في الدنيا والآخرة .
وما انفك الكفرة والظلمة يوما عن معاداة أمر الله تعالى وعن تضليل غيرهم ووضع المغريات في طريقهم ، وتزيين السيء لهم كي يفسدوا ويفسقوا مثلهم فيكونون في الإثم سواء ، ويكونوا الظلمة البطرة هم المتحكمون وهوائهم مسيطر وضلالهم يناطح عنان خيالهم وكذبهم الآثم .
وكذلك أعداء الاسلام فهم لم يتركوا وسيلة في محاربة الاسلام إلا واستعملوها وهذا ظلما لأنفسهم وغيرهم ، وهو جالبا ومسوغا للفساد وضياع الحياة وعدلها وجمالها الحقيقي .
وقد تفطن الغربيون لفكرة الحرب الفكرية بعدما خرجوا من عهود الظلام والبربرية ، ثم جنّدوا أناس مسلمون "إسما" و"كفرة منافقون" فعلا كي يكونوا معولا هداما لما هو صالحهم وصالح اممهم ، وصالح البشرية جمعاء ،في الدنيا والآخرة .
والحرب الفكرية تتخذ أشكالا كثيرة ، ولها منابع وجنودا قد باعوا دينهم بدنياهم متنوعين ، ولكنهم ولو يفكر الشخص المنحرف عن الحق وأنه ومن تحت طائل عرض صغير ودنيا فانية قد أهدر خير ا كثيرا على أنفسهم وعلى أمم وتاهوا في عرض حقير فاني عن الخير الكثير والفضل والصالح .
وأهدروا على الانسانية أن ترتقي بحق وحقيقة وفضيلة دون أن تنحدر أو تفسد أو تظلم وتجلب الحسرات .
وغير ومع أن هؤلاء المضلون والبائعون دينهم بدنياهم سيقفون غدا بين يدي الله تعالى وسيندمون حيث لاينفع الندم ، وسيندمون وحين يرون أعمالهم حسرات عليهم ، ولات حين مناص .
فلقد كانت واقعة هزيمة الفرنجة في المنصورة في مصروأسْر لويس التاسع ، ثم سقوط القسطنطينية ، فقد كانتا ذات أثر بالغ على أوروربا وتغيير نمط حياتها وتفكيرها .
وكان لهذا تأثير جيد علميا ، وخصوصا سقوط القسطنطينية حيث رحلت كتوب اليونان ومعارفهم وصلاتهم بالعرب المسلمين، وما تعلموه عنهم علوم مفيدة ذات أثر كبير على أوروبا وعلومها ، ويحسب للنهضة الأوربية نهضتها الفعلية والجادة منذ هاتين الحادثتين ، وهذا أثر أيجابي ، ولا ننسى أيضا تأثر الغرب من علوم المسلمين ، ومن تاثرهم بالعرب المسلمين ومن اعمالالعقل ودحض الخرافة ودحض التجهيل الآثم ، وكان هذامنذ عهود المسلمين الأولى ومنذ فتح الاندلس أيضا ، ولكن كان شاغل الغربيين هو القوة والهيمنة ومتاع الدنيا والجاه فوق أي مطلب انساني حقيقي .
ومع ذكرنا أن الغربيين ( ولا نريد أن نقول الصليبين والذين ما زالت عقلية الصليبية الضالة والظالمة تحكمهم ) فهو ومع تحويل بوصلة العقل والعلم والمعرفة في اتجاه اعمال العقل والدراسة ، وبعد أن أدركوا أن القوة والسلبطة لا تأتي بشيء غير الخسائر وغير الثمار المرة وعار البربرية ، ثم معها عار الجاهلية والتخلف .
فصار القوم يتجهون نحو العقل والانتاج والكشف وهذا بعدما غيّبَتهم عنجهية القوة والنرجسة الخاوية السقيمة عن العقل .
ولا نريد هنا سردا طويلا ، ولكنها تذكرة ، ولا يعرف الفضل لأهل الفضل سوى اصحاب الفضل ، والاسلام حقيقة ومنذ أن نشأ وحتى اليوم فهو لخدمة الناس وصالحهم ورقيهم وخيرهم في الدنيا والآخرة ، ورقي أخلاقهم وتنشأة الفضيلة السمحة بينهم والتعامل الانساني الكريم بينهم .
ولكن الأهواء والتضليل والانغرار بالعاجل يجعل الناس أعداءا لأنفسهم ولغيرهم ولدعوة الحق .
وكما ذكرنا فإن أوربا انهزمت سنينا عديدة في مجال القوة والعنترة ولم تجني سوى الخيبة وعار الجهل ومنطق القوة ، والتمترس وراء ضلالات وخرافات ومدعيات ضارة ومضرة وسقيمة .
ومع التحول الايجابي للغرب نحو العلم ، فإن عقلية العلو والقوة والسيطرة ، والاستحواذ على مقدرات الغير ما زالت تحكمهم ، ونحن نرى الغرب اليوم وما أنجز من علوم ولكن تحتها ما زالت عقلية التسلط ومبدأ القوة يسيطر عليهم ، إلا ما رحم ربي .
فهم ومع التحول الايجابي نحو العلم ، فقد كرسوا حتى العلم لخدمة أهداف هابطة قديمة ولو بقفازات مترقية ، ولكن هل المكياج يجمّل وجه الغول ؟
هل المدعيات والاباطيل التي يختفون ورائها تبرر أعمالهم ومنهجهم السيء ؟
ومع أن العقلانية قد جذبت الكثير من عقلاء الغرب ، ولكن الوجه الطاغي هو حرب الاسلام والعدل والانصاف ، ولا عدل ولا إنصاف حقيقي دون الاسلام وأوامره ونواهيه وتقوى الله تعالى معها .
فلما اتجهت اوروبا للدراسة والبحث والعلم فهي قد كرست من هذا قسطا نحو حرب فكرية من نوع جديد ، وهي نفس الحرب المقيتة على الحق والخير القديمة والتي تنشط احيانا .
فقد كرست أوروبا دارسين ومستشرقين يدرسون الاسلام بعمق وخبث ، ويبحثون عن نقاط ضعف مدلسة ويدلسون عليها ويجتزأون نصوصا حتى يضعوا مطاعن على دعوة الحق ، وكمن يقرأ "ويل للمصلين" ويتوقف ولا يقرأ ما بعدها من آيات وما تقول وتقصد من كمال الخيروالحكمة والفضائل العظيمة.
وكان هؤلاء الدارسين يتعقبون نصوصا مبتورة ، أو يجتزأون بعض الحقائق ويضيفون عليها من ضلالهم ومكرهم وكي يشوهوا وجه الحق والحقيقة ، وكرسوا لذلك جنودا حتى من بني الاسلام (وهم(أي المجندون) اصحاب ضلالات اصلا ) ، وعلى مر عصور ، صاروا يشوهون بعض الحق ودعوته وغرروا بعض العوام ومن يعبد الله على حرف .
ونحن نرى اليوم من الفئات التي تعد مثقفة في الوسط "المسلم" متغربون أكثر من الغرب ومدعون على الدين والحق أكثر من بني أوروبا وأعداء الدين أنفسهم .
بل بات اليوم يعد الكثير ممن يتصور نفسه متنورا أن الاسلام ظلام وتخلف ومضاد لصالح الانسان ! ولا يعلم أولئكم أنهم صاروا مراكب للشيطان وصاروا عبيد شهوات وأهواء ووهم زائف سرعان وبريق خادع ما يرديهم ، ويظنون أنفسهم على شيء أو علم ورقي ، ولكنهم ليسوا إلا ومجرد اصفار تدور في فلك من يحارب الاسلام منذ نشأته من أجل حربه ويُنَرجس نفسه ويعتبط مدعيات وخرافات ونرجسيات وتقديسات ذات سقيمة ، وهي حرب على الصالح والعادل والمقسط للناس جميعا .
ثم ونرى من فتن بدنيا فانية وخادعة من فئات تُعد على المسلمين (قد يكون في الغالب اسما ، أصلحهم الله )أو المجتمع العربي ثم يتسمون بشتى المسميات الخادعة من عقلانيين (والعقل منهم براء ) وعِلمانيين (والعلم الحقيقي يسخر منهم ولا يعرفون سوى قشوره ) ، وشتى مسميات مطنطنة ولكنها جوفاء ، وفي النتيجة فيخرج هؤلاء كقصة الغراب الذي أراد أن يقلد مشية القطا فلم يعرف ونسي مشيته الأولى فصار يقفز قفزا ، فهل من مدرك لنفسه وموقظها ؟ وهل من واضع العقل والبصيرة في مكانها وغير مخادع لنفسه ؟
هل حرب الحق والخير والعدل والمرحمة ! يجر غير الشرور ومعاداة صالح النفس والغير ؟
هل تكريس الغرب لقوته العسكرية كي تدعم مدعيات وأفكار ضالة وكاذبة وقلب الحقائق هو نصر لخير ما أصلا ؟
أما آن لبعض الناس أن يفيقوا من غشاوة الضلال والظلم ويجعلوا للخير والحق والعدل والمرحمة أن تسود وبحق وفضيلة وتعاطف وتواد بين الناس ؟!!